” محمد البقالي.. حنظلة الذي لم ينكسر “

27 يوليو 2025
” محمد البقالي.. حنظلة الذي لم ينكسر “
”  محمد البقالي.. حنظلة الذي لم ينكسر “

نون بوست             علي الكوري 

تنتقل جذوة الحقيقة من قلبه إلى قلوبنا كما تنتقل النار من جذوة إلى أخرى، دون أن تنطفئ. محمد البقالي ليس مجرد صحافي عادي، بل هو روح حرة تمشي على الأرض، تبحث عن الضوء في أقسى لحظات الظلام.

هو ابن الميدان، لا يعرف لغة المكاتب ولا يهوى الألقاب. حمل الكاميرا كما يحمل الجندي بندقيته، وخاض حروب الحكاية من تونس إلى السودان، ومن شوارع غزة المشتعلة إلى ضواحي باريس المزدحمة. كل تقرير له يضعك داخل الحدث، كأنك تتنفس هواء المكان وتلمس الجدران المحترقة.

البقالي ليس صحافيا من مقاس واحد، بل مدرسة في التنقل بين العواصف. الصحافة عنده ليست مهنة باردة، بل التزام أخلاقي. كتب عن “المهنية والإيديولوجيا في الصحافة”، ثم عاد ليختبر ذلك في الميدان، حيث تختفي كل التنظيرات ويبقى الضمير وحده الحكم.

حين تشتعل غزة، يترك كل شيء خلفه. كأنه حنظلة الذي لا يملك رفاهية الاستراحة، ولا يساوم على كرامة القضية. كاميرته تتحول إلى عين مفتوحة على الحقيقة، وصوته يرتجف لكنه لا يخون.

حتى على الشاشة، لا يتقن لعبة النجومية. لا يهتم بالمظهر ولا بالمؤثرات، لأنه يؤمن أن الرسالة أكبر من صورته، وأن الشهادة أرفع من الشهرة. يطل كما هو، إنسانا يرى أن الصحافة لا تختزل في أستوديو بارد، بل تصنع في قلب الخطر.

اليوم، وهو في قبضة الاحتلال، يمكننا أن نتخيله هناك، بملابس ميدانية، حافي القدمين ربما، بكاميرا ربما صودرت، وهاتفه الذي قد ألقاه في البحر حتى لا تصل إليه أيدي العدو. لكنه لم يفقد سلاحه الأقوى: ضميره.

في غيابه، يتحدث الجميع عنه، لكن الحقيقة أن محمد البقالي لم يغب. روحه حاضرة في كل خبر ينقل وجع الفلسطينيين، وفي كل صورة توثق ما يحاول الآخرون طمسه.

البقالي هو “حنظلة المغربي”، ليس لأنه يرسمه، بل لأنه يعيش فلسفته. هو الطفل الذي لا يكبر حتى تعود فلسطين، والصحافي الذي لا يرتاح حتى يقال كل ما يجب أن يُقال.

هو أيضا الانسان  الذي يذكرك أن معنى الحياة أكبر من حسابات المنابر، وأعمق من سباقات الشهرة. إنسان يختطف مرتين: مرة من الاحتلال، ومرة من مجتمع لم يستوعب بعد قيمة الأصوات الصادقة.

محمد، في صمتك هناك، نحن نراك واقفا. لا القيود تكسرك ولا الخوف يربكك. حريتك أوسع من كل جدران السجون، وصورتك أكبر من كل حملات التضليل.

سننتظرك، لا لنصفق لعودتك فقط، بل لنواصل معك ما بدأته: إعادة المعنى للصحافة، والصدق للصورة، والكرامة للحكاية. أنت آخر ما تبقى لنا من أمل أن الكلمة الحرة لا تموت.

 

ملاحظة المقال فيه بعض ملاحظات الصحفي يونس المسكيني .

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة