نون بوست علي الكوري
سطر التاريخ اسم الكولونيل ماجور إيدا ولد التامك بمداد الفخر، فارسًا من صحراء المغرب حمل هم الوطن في قلبه وسار به حتى آخر الأنفاس. ولد سنة 1910 على رمال “لحطيبة” بلحمادة، فكان قدره أن ينشأ بين أب مقاوم عظيم وأم استثنائية جعلت من بيتها مدرسة للتضحية والفداء.
نشأ إيدا ولد التامك في بيئة مشبعة بروح الوطنية، فغرس والده محمد بن مبارك التامك فيه قيم المقاومة، فيما صاغت والدته بشرى منت الحافظ، المعروفة بـ”بشيخة الأربعين”، شخصيته الصلبة. ومن رحم هذه التربية خرج رجل كتب اسمه بحروف من ذهب في سجل المغرب.
لبّى نداء الوطن سنة 1955، فالتحق بجيش التحرير، قبل أن ينضم إلى صفوف القوات المسلحة الملكية سنة 1960. ومنذ اللحظة الأولى أثبت أنه جندي لا يعرف التراجع ولا يهاب الموت، يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
قاد جحافل المقاومين في معارك مصيرية، مثل مكالة وأم لعشار وإيشت وأيت باعمران، وساهم في الهجوم الشهير على معسكر تيلوين. وخلد اسمه بين الأبطال الذين حطموا أسطورة الجيش الإسباني وأثبتوا أن الإيمان بالوطن أقوى من الحديد والنار.
ارتقى في سُلم المجد خطوة بعد خطوة، من جندي بسيط إلى قائد رحى، ثم باشا، فقائد وحدة، حتى نال رتبة عميد (كولونيل ماجور). ولم يكن هذا الارتقاء محض صدفة، بل ثمرة كفاءة وبسالة وإخلاص مطلق لراية المغرب.
ساهم في تشييد الجدار الأمني، وخاض أكثر من مائة معركة ضد أعداء الوحدة الترابية، من الوركزيز إلى السمارة والزاك. وحرس حدود الوطن كما يحرس المؤمن عقيدته، رابطًا في الصحراء حتى آخر أيامه.
نال أوسمة ملكية من يد الملك الحسن الثاني، ثم واصل الملك محمد السادس تكريمه بوشاح رفيع يليق بمقامه. وجاء هذا التقدير الملكي شهادة تاريخية على رجل عاش من أجل المغرب ومات وهو يذود عنه.
رحل يوم 06 يناير 2015 عن عمر ناهز القرن، لكنه لم يرحل من ذاكرة الوطن. ترك خلفه أبناء يسيرون على خطاه، في مقدمتهم محمد صالح التامك، الذي واصل حمل مشعل المسؤولية في خدمة البلاد.
خلد إيدا ولد التامك درسًا خالدا للأجيال: أن حب الوطن تضحية لا تنتهي، وأن البطولة لا تصنعها الكلمات بل المواقف. رحم الله فارس الصحراء، ولتظل ذكراه شعلة مضيئة في مسار المغرب الحر الأبي.