نون بوست علي الكوري
العيون : شهدت بلدية المرسى يوم الجمعة 19 شتنبر محطة سياسية بارزة بقدوم الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، الذي ترأس لقاء جماهيريا أراده الحزب فرصة لإبراز حضوره الميداني. غير أن هذا الموعد سرعان ما تحول إلى موضوع للنقاش الحاد، بعدما برزت خلاله مشاهد اعتبرها متتبعون عنوانا للتناقضات التي تطبع المشهد الحزبي المحلي.
اللقاء لم يكن مجرد نشاط حزبي داخلي، بل رافقته مأدبة غداء فاخرة نظمها المستشار البرلماني المستضيف، وهو في الآن ذاته والد أحد الداعمين البارزين للحزب، وشقيق رئيس بلدية المرسى المنتمي لحزب الاستقلال. هذه التركيبة غير المتجانسة رسمت صورة مشوشة عن الولاءات والتحالفات، وأعادت إلى الواجهة سؤالا قديما حول مدى مصداقية التفاهمات الحزبية حين تختلط المصالح بالعلاقات العائلية.
ومن المفارقات اللافتة حضور رئيس بلدية المرسى، الذي غاب طويلا عن هموم الساكنة وقضايا التنمية، ليظهر فجأة في نشاط يقوده خصم سياسي لحزبه الأصلي. المدينة التي تعاني من عجز اقتصادي وبنيات مهترئة ومشاريع متعثرة، لم ترَ رئيسها إلا في مثل هذا الموعد السياسي، ما جعل حضوره يثير الاستغراب والانتقادات.
هذا السلوك يزداد غرابة بالنظر إلى أن حزب الاستقلال يملك أغلبية مريحة داخل المجلس الجماعي للمرسى بحصوله على 20 مقعدا من أصل 27 خلال انتخابات 2021. فكيف يمكن تفسير مشاركة رئيس الجماعة في فعالية سياسية يقودها منافس حزبي، دون أن يقدم أي توضيح للساكنة التي تمثل مصدر شرعيته الانتخابية؟
كلمة السالك المساوي، أحد الوجوه الداعمة للاتحاد الاشتراكي، شكلت بدورها لحظة مثيرة للنقاش، حيث تحدث بلهجة قوية عن تردي أوضاع المرسى ومعاناة البحارة وغياب الخدمات الأساسية، داعيا إلى تدخل عاجل وإنصاف هذه الفئة التي تعد ركيزة من ركائز الاقتصاد المحلي والوطني.
لكن خلفيات المتحدث طرحت علامات استفهام إضافية، فهو شقيق رئيس بلدية المرسى، أي أن الانتقادات التي وجهها أمام الجماهير تخص بالدرجة الأولى مؤسسة يرأسها أخوه. هذا التداخل بين الخطاب السياسي والانتماء العائلي جعل كثيرين يرون في الأمر توزيع أدوار أكثر منه التزاما بالمساءلة.
هذا الوضع يضع الخطاب السياسي على المحك؛ إذ يظهر في كثير من الأحيان مجرد وسيلة لكسب التعاطف الشعبي، في الوقت الذي تتحمل نفس الدوائر العائلية والسياسية مسؤولية اختلالات التدبير المحلي. وهنا يبرز سؤال جوهري: هل الغاية خدمة الساكنة أم إعادة إنتاج الولاءات وفق قواعد المصالح الخاصة؟
في النهاية، يبقى سكان المرسى هم المتضرر الأكبر من هذه الازدواجية بين الخطاب والممارسة. فالساكنة تحتاج إلى حلول ملموسة ومشاريع حقيقية تنعكس على حياتها اليومية، لا إلى خطابات حماسية تخفي خلفها تناقضات بنيوية وتعيد إنتاج مشهد سياسي ضبابي يفتقر للوضوح والمصداقية.