نون بوست علي الكوري
قدمت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مذكرة شاملة بخصوص مشروع قانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، الذي تمت المصادقة عليه بمجلس النواب في 22 يوليوز 2025، وأحيل على مجلس المستشارين لاستكمال مسطرته التشريعية. واعتبرت المنظمة أن هذه المبادرة تأتي في إطار التفاعل مع النقاش العمومي الدائر حول مستقبل المهنة، وحرصها على استغلال “العطلة التشريعية” لإبداء ملاحظاتها الهادفة إلى تجويد النصوص القانونية وضمان انسجامها مع المرجعيات الحقوقية الوطنية والدولية.
وأوضحت المنظمة أن مشروع القانون أثار نقاشات واسعة داخل الجسم الصحفي والحقوقي، بالنظر إلى ما يتضمنه من تغييرات على مستوى تركيبة المجلس وصلاحياته. وهو ما دفعها، انطلاقا من قناعتها بدور الصحافة في البناء الديمقراطي، إلى التدخل من أجل التنبيه إلى الثغرات التي قد تحد من استقلالية المجلس وتؤثر على مصداقيته. فبالنسبة للمنظمة، فإن وجود مجلس وطني للصحافة قوي ومستقل يشكل ضمانة أساسية لترسيخ الممارسة الصحفية الحرة والنزيهة.
واستندت المنظمة في مذكرتها إلى عدد من المرجعيات الدولية، أبرزها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى التعليق العام رقم 34 للجنة المعنية بحقوق الإنسان. كما ذكرت بمقتضيات الدستور المغربي، وخاصة الفصلين 25 و28، اللذين يكفلان حرية الفكر والرأي والتعبير، ويضمنان حرية الصحافة بعيدا عن أي رقابة قبلية، وهو ما يضع على عاتق الدولة مسؤولية تنظيم قطاع الإعلام بشكل مستقل وديمقراطي.
وأكدت المنظمة أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي سلطة رابعة تسهر على مراقبة باقي السلط، وتساهم في تشكيل وعي الرأي العام. ومن ثم فإن بناء مجتمع ديمقراطي لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود إعلام قوي ومستقل، مدعوم بمؤسسات مهنية تضمن للصحافيين والصحافيات شروط العمل اللائق، وتحميهم من كل أشكال التضييق أو التبعية. وهنا يبرز دور المجلس الوطني للصحافة كإحدى أهم الآليات التنظيمية للمهنة.
ورأت المنظمة أن المجلس الوطني للصحافة يجب أن يظل تنظيما ذاتيا للصحفيين والناشرين، يحتكم لقواعد مهنية وأخلاقية تستند إلى المرجعية الحقوقية، بعيدا عن أي تدخل من السلطة التنفيذية. فالتنظيم الذاتي، بحسب تصورها، هو الوسيلة الوحيدة لتخليق المهنة وتعزيز استقلاليتها، بينما أي محاولة لإقحام النفوذ السياسي أو الحكومي من شأنها أن تقوض الثقة في هذه المؤسسة.
وبخصوص تركيبة المجلس، سجلت المنظمة ملاحظات جوهرية على المادة 5 من مشروع القانون، والتي اعتبرت أنها أخلت بالتوازن القائم بين تمثيلية الصحفيين المهنيين والناشرين. كما أشارت إلى أن النص الجديد اكتفى بضمان انتخاب ثلاث صحافيات فقط، متراجعا بذلك عن مبدأ المناصفة المنصوص عليه في الدستور المغربي. وانتقدت أيضا إقصاء بعض مكونات المجتمع المدني التي كانت ممثلة في الصيغة السابقة مثل جمعية هيئات المحامين واتحاد كتاب المغرب.
وفي هذا السياق، اقترحت المنظمة ضرورة ضمان عدالة تمثيلية داخل المجلس الوطني للصحافة، عبر التوازن بين الناشرين والصحفيين، واعتماد نفس نمط الاقتراع لاختيار ممثلي الفئتين. كما شددت على أهمية التنصيص الصريح على مبدأ المناصفة انسجاما مع الفصل 19 من الدستور، وإدماج ممثلين عن المجتمع المدني في تركيبة المجلس لتوسيع قاعدة المشاركة وإغناء النقاش.
أما فيما يتعلق بعلاقة المجلس بالسلطة التنفيذية، فقد انتقدت المنظمة ما ورد في المادة 6 من المشروع التي تمنح الحكومة حق تعيين مندوب لها لدى المجلس. واعتبرت أن هذا المقتضى يتعارض مع مبدأ الاستقلالية، وقد يفهم منه أنه محاولة لفرض وصاية حكومية على مؤسسة يفترض أن تكون مستقلة. واقترحت في المقابل حذف هذا البند بالكامل، مؤكدة أن مهمة التنسيق يمكن أن يقوم بها رئيس المجلس أو هياكله الداخلية دون الحاجة لتدخل ممثل عن الحكومة.
وفي ما يخص الصلاحيات التأديبية، توقفت المنظمة عند المادة 89 من مشروع القانون، والتي تمنح المجلس سلطة إصدار عقوبات تأديبية في حق الصحفيين والناشرين، تصل إلى سحب بطاقة الصحافة لسنوات. واعتبرت المنظمة أن هذه المقاربة الزجرية تتجاوز حدود التنظيم الذاتي، وتقترب من التدخل الرسمي المباشر، ما يهدد بتحويل المجلس من هيئة مهنية إلى سلطة رقابية عقابية.
وبدلا من ذلك، شددت المنظمة على أن المجلس الوطني للصحافة ينبغي أن يكون سلطة أخلاقية ومعنوية لا تأديبية. وأوصت بأن يركز المجلس على أدوار الوساطة والتحكيم والتكوين، مستلهما في ذلك تجارب دولية رائدة. كما دعت إلى إحاطة أي عقوبات تأديبية بضمانات أساسية، تشمل مبدأ الإخطار، والتناسب، والتدرج في العقوبة، وإمكانية الطعن القضائي، ونشر القرارات بشكل علني ومعلل لتعزيز الشفافية.
كما أكدت المنظمة أن القضاء يجب أن يظل الجهة الوحيدة المخولة لإصدار العقوبات القصوى مثل سحب البطاقة أو توقيف المؤسسات الإعلامية، بالنظر إلى استقلاليته وضماناته القانونية. فالمجلس الوطني للصحافة، في تصورها، ليس سلطة قضائية وإنما هيئة مهنية، وبالتالي فإن أقصى ما يمكن أن يقوم به هو رفع توصية إلى القضاء المختص.
وفي ما يتعلق بنشر تقارير المجلس، لاحظت المنظمة أن مشروع القانون لا يلزم المجلس بنشر تقاريره السنوية أو الموضوعاتية، بل يكتفي بإحالتها على الحكومة. وهو ما اعتبرته المنظمة إضعافا لدور المجلس في تعزيز الشفافية والمساءلة. واقترحت في هذا الصدد التنصيص على إلزامية نشر هذه التقارير بكافة الوسائل، بما في ذلك الموقع الرسمي للمجلس، وإحالتها أيضا على البرلمان لمناقشتها أمام اللجنة المختصة.
واختتمت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مذكرتها بالتأكيد على أن هدفها الأساسي هو المساهمة في إصدار قانون يؤسس لمجلس وطني للصحافة قوي، مستقل، وديمقراطي، يعزز حرية الإعلام وحقوق الصحافيين، ويضمن توازن التمثيلية بين مختلف الفئات. كما دعت إلى توسيع النقاش العمومي حول المشروع، والاستماع إلى آراء المهنيين والفاعلين، بما يسمح ببلورة نص قانوني يعكس انتظارات الجسم الصحفي، ويستجيب للمعايير الحقوقية والدستورية، ويؤسس لصحافة حرة ومسؤولة قادرة على أداء دورها كسلطة رابعة.