محمد جواد سيفاو
باحث متخصص في مجال والتنشيط السوسيوتربوي
في بداية التسعينات حينما جاء رجل الأعمال الفرنسي جون كلود إلى ميراللفت، أغرم بهوائها المنعش المنقوع بذرات رذاذ أمواج الشواطئ الناعمة، وهضابها المتشكلة كلوحة فنية تنفستها قوة إبداعية خارقة، كان السيد جون كلود متبصرا وذكيا، حيث رأى لهذه اللؤلؤة الزرقاء مستقبلا سياحيا دوليا قويا، فأقدم على إحداث دور الضيافة مستثمرا في السياحة البيئية وأخذ يسوق لمشروعه في البلدان الأوروبية، وسلكت السياحة البيئية بميراللفت أنذك مسلكا سليما، حيث أصبحت ميراللفت فجأة قبلة للسياح الوافدين من الدول الأوربية كفرنسا وإسبانيا وألمانيا…، وبدأت ثروة السيد كلود تزداد يوما بعد يوم بفضل ارتفاع عدد السياح مع مرور الأيام، ليزيد السيد كلود من إصراره ودهائه الاستثماري ويقنع السكان الأصليون لميراللفت لبيعه هكتارات الأراضي المتواجد على ضفاف الشواطئ التي كانت أنذاك مجرد أرض تمارس فيه الفلاحة البورية التقليدية، وأحدث فيها أكثر من 20 فيلا حديثة التصميم مستغلا اليد العاملة الرخيصة والمتوفرة، وتسهيلات السلطات والمجالس المنتخبة أنذاك، مما يجعل ميراللفت قبلة لليد العاملة النازحة من المداشر المجاورة، بحثا عن لقمة العيش.
أزقة ميراللفت ورمال شواطئها، ما تزال وفية للسيد كلود حيث أخرجها من منطقة جامدة إلى منطقة حيوية، رغم ضعف البنيات التحتية وهشاشة الخدمات أو نذرتها أو ارتفاع أثمنتها، إلا إن اللؤلؤة الزرقاء تسعى جاهدة إلى أن تضع نفسها ضمن المناطق الأكثر جذبا للسياح الوافدين من داخل الوطن او خارجه، لقوة كاريزمياتها الطبيعية، وهدوئها السحري الذي يجعل الزائر مشدوها إلى جمالها الأزرق.
التلوث شبح يهدد المستقبل البيئي والسياحي بميراللفت:
رغم انفتاح ساكنة ميراللفت على الثقافات المختلفة، إثر عدد السياح الوافدين المتزايد سنويا، إلا أنها ما زالت في وعي بيئي متدني جدا، وذلك ما تظهره سلوكيات الساكنة المحلية تجاه البيئة، والتي نتجت عن انتشار الأزبال بشكل مهول ومخيف، وانعدام الظروف الصحية في المحلات والمطاعم التي تقدم خدمات الأكل، وسيلان المياه الراكدة المليئة بأنواع الجراثيم السامة والقاتلة من سوق بيع السمك إلى بين كراسي التي يجلس عليها السياح الزبناء في المقاهي التي تقدم خدمات الطعام (السمك المشوي- فواكه البحر-طاجين السمك …)، مما جعل السياح يطرحون عدة أسئلة حول الوضع المتردي الذي وصل إليه الشأن البيئي بميراللفت، حيث أصبح إشكالا يهدد صحتهم وصحة أبنائهم بفعل الروائح الكريهة وانعدام الشروط الوقائية اللازمة للحفاظ على صحة الساكنة المحلية والسياح الوافدين من خارج او من داخل ارض الوطن.
حينما دخلنا إلى سوق السمك وجدنا انفسنا في مكان ضيق لا يسمح بمرور شخصين ورغم ذلك مررنا بعسر فوق ألواح خشبيه تطفوا عليها طبقات من الأوساخ ، وأخذنا نبحث عن قمامة أو شخص مكلف بنظافة المكان بشكل دائم فنجد اللاشيء ، وفي أخذنا للصور في عين المكان، هرع إلينا أحد بائعي السمك، وهو يشتكي من انتشار الأوساخ والحشرات التي تخلق من المياه الراكدة، تبعناه إلى بضاعته فوجدناها بجانب مياه سوداء، والكثير من أمعاء السمك يحوم الكثير من الذباب الأخضر فوقه، والزبناء بجانبه يشترون البضاعة ويتقززون من المكان.
لما أقدمنا على المقاهي التي تقدم خدمات الطعام، والتي لا تبعد عن هذا السوق إلا بخمسة أمتار، وأرجلنا تبحث عن ممرات سليمة من ضايات مياه راكدة، جعلنا ذلك نرقص رقصة السامبا ونحن متجهين نحو المقاهي، استقبلنا أحد المستخدمين وعليه ملابس متسخة وهو يصيح ملئ عنقه وبدارجة مغربية غير مفهومة، ختمها
شي شويا أوستاذ …شي شويا …
نظرنا الى الزبناء بكراسيهيم العائمة على الضايات الراكدة، وهم منهمكون في الاكل، بعد الجوع الذي أصابهم، إثر مكوثهم في البحر لساعات طويلة، أصبنا بنوبة من الدهشة الممزوجة بالقلق على المستقبل البيئي والسياحي لهذه المنطق لو استمر هذا المنطق السلبي أقل من سنتين.
اللؤلؤة الزرقاء ولعنة القرارات التدبيرية اللاعقلانية في مواجهة المشكل :
تعد القرارات التدبيرية الموجهة في الشأن البيئي بميراللفت ضعيفة وشبه منعدمة ، نظرا لتدني الوعي البيئي عند المجالس المنتخبة وعند الساكنة المحلية، وانعدام المتدخلين والفاعلين البيئيين الممثلين للمجتمع المدني، وضعف البنية التقنية الأساسية للسيطرة على انتشار الأزبال في الأحياء وفي جوانب الشواطئ، وقلة الموارد المالية التي ترصد لدراسة وحل المشكلات البيئية، وانعدام الموارد البشرية التي لها تكوين اكاديمي وميداني في مجال البيئة والتنمية المستدامة بالطاقم التقني المكون للجماعة المحلية، مما نتج عن غياب رؤية استراتيجية بيئية شاملة، تسعى استثمار وتثمين الموارد الطبيعية والخيرات الثقافية لتنمية مستدامة لمنطقة ميراللفت.
إن الإفتقاد إلى الرؤية، يعني فقدان البوصلة، والضياع وسط جملة من المشاكل البيئية والسوسيو-اقتصادية، مما يضعنا امام سياسات عمومية بقرارات عرجاء، تتنافى مع الصياغة السليمة للقرارات الموجهة إلى القطاعات الحيوية بالمنطقة، فالفعل العقلاني لصناعة القرار يأتي أولا من التشخيص العلمي الشامل والدقيق للميرللفت، ورصد نقاط القوة ونقاط الضعف وإدارك الأولويات، بعدها يأتي وضع رؤية شاملة ومندمجة ومستدامة منبنية على مبدأ المقاربة التشاركية، من خلال إشراك جميع فعاليات المجتمع المدني في بلورتها دون إقصاء، والخروج بمخططات إجرائية وعملية بأهداف على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
يعد دور الجمعيات البيئية في القيام بعمل التوعية البيئية للمواطنين من الأدوار الرئيسية لها في حماية البيئة خصوصًا مع حداثة موضوعات حماية البيئة واعتبار البعض أن حماية البيئة من الموضوعات الكمالية، مع ظهور مفاهيم جديدة تتعلق بالبيئة ودمجها في السياسات الاقتصادية للدولة والأفراد منها مفهوم التنمية المستدامة من خلال اتباع آليات الإنتاج النظيف، وأن المعرفة والتثقيف البيئي سيحول دون توريث الجهل أو عدم الوعى البيئي من جيل إلي جيل، فالأسرة التي لا تعي أهمية وضرورة الحفاظ علي البيئة، سينتقل جهلها ويسري في أبنائها الذين سيورثونه لأبنائهم، وبالتالي نكون أمام أجيال متتالية جاهلة غير واهية بأهمية المحافظة علي عناصر البيئة . فالواقع أن دور الأفراد في حماية البيئة يرتبط بصورة كبيرة بمدى نمو الرأي العام ومدى اهتمام الدولة بهذه المنطقة ، فيزداد بصورة كبيرة في مدن الشمال، التي تكون فيها مساحة الرأي العام كبيرة ومتاحة وتلقي اهتماما كبيرا من جانب الحكومات والأجهزة الإدارية ذلك علي عكس الحال في المناطق الجنوبية الهشة، فنجد أن اهتمام الأفراد بحماية البيئة يقل أو ينعدم في المناطق حتى وإن وجد في حدود معينة فإنه لا يلقي إلا القليل من الاهتمام من الساكنة والأجهزة المنتخبة والإدارية؛ وتتمثل أهداف التوعية و التربية البيئية واساسيتها ومكوناتها في منح فرصة اكتساب المعرفة والقيم والمهارات الضرورية لحماية الطبيعة وتحسين وضعها لأفراد المجتمع وزادة وتنمية الوعى البيئي بكل المشكلات الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية ذات التأثير البيئي وخلق وترسيخ أنماط سلوكية إيجابية تجاه البيئة.
تعرف منطقة ميراللفت مجموعة من الإكراهات والتحديات المرتبطة بتدبير جانب البيئة ، حيث يجب تفعيل نقاش موسع ومسؤول حول المراجع والأسس القانونية وكرونولوجيا التشريعات المتعلقة بالبيئة بالمغرب، كما يجب توضيح، مجمل الآليات الممكنة والإقتراحات التي من شأنها الإرتقاء بالسياسات العمومية في التعاطي مع المشاريع والبرامج ذات الطابع البيئي، وإحداث ورشة تكوينية توعوية وتحسيسية لتعبئة وتمكين المتدخلين من منتخبين ومجتمع مدني وطلبة وباحثن وأندية بيئية وناشطين من المستجدات والأنظمة والقوانين المؤطرة لمجالات البيئة وتوسيع معارفهم وإعدادهم للانخراط في مبادرات ترافعية وديناميات تصب في اتجاه إلزام القائمين على الشأن العام داخل الجماعات الترابية باحترام كافة المواثيق والقوانين لإدماج البعد البيئي في كل المخططات والمشاريع والبرامج.
إن بلورة الرؤية سيساهم في معالجة إشكالية غياب سياسة بيئية ناجعة تتميز بالاستدامة على مستوى الجماعة الترابية لميراللفت، حيث يلاحظ عدم اهتمام المسؤولين الترابيين بضرورة تفعيل القوانين المؤطرة للبيئة في مخططاتهم، كما لا يحظى هذا الجانب باعتمادات مقبولة تتناسب مع حجم الإشكالية وتستجيب لانتظارات المواطنين في ظل افتقاد هذه الجماعة الترابية الى برنامج مندمج لإحداث لحماية وتثمين المناطق الخضراء ومعالجة المخاطر البيئية.
كما يجب تحفيز أكبر عدد من الأطراف قصد تشكيل قوة ضاغطة من جهة ومن جهة أخرى من أجل فتح قنوات التواصل والحوار مع المسؤولين الترابيين وتحسيسهم بأهمية التعاطي الايجابي مع موضوع البيئة وإدراجه كأولوية الى جانب باقي المجالات التي تندرج ضمن اختصاصات الجماعات الترابية وفق مقاربة تشاركية مع جميع فعاليات المجتمع المدني بميراللفت.